القتل والخطف.. نهاية مأساوية لوجوه إعلامية بارزة
تشهد الساحة السورية منذ مطلع أيار 2025 تصاعدًا لافتًا في وتيرة الانتهاكات المرتكبة بحق الصحفيين والعاملين في الحقل الإعلامي، حيث رصد المركز السوري للحريات في رابطة الصحفيين السوريين انتهاكات توزعت بين القتل والإصابة والاحتجاز القسري والاعتداء المباشر، وسط مناخ متقلّب أمنيًا وسياسيًا، ومحدودية واضحة في إجراءات الحماية وضمان حرية العمل الصحفي.
في 24 أيار، عُثر على جثة الإعلامي والمصمم محمد خيتي مقتولًا في منطقة مهجورة قرب بلدة جيرود في القلمون شمال دمشق، بعد اختفائه منذ الثامن من الشهر ذاته. ويُعد خيتي (36 عامًا) من الوجوه المعروفة في الإعلام المحلي، وقد خلف مقتله صدمة في الأوساط الإعلامية. ولا تزال التحقيقات مستمرة دون إعلان رسمي عن الجناة أو دوافعهم حيث أعربت وزارة الإعلام السورية عن قلقها إزاء اختفاء الزميل خيتي، وأكدت في بيانها، أن “سلامة الصحفيين في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية تمثّل أولوية قصوى”، وأنها “لن تدّخر جهداً في متابعة هذه القضية حتى جلاء الحقيقة”.


كما قُتل المصور في شبكة السويداء 24، ساري مجيد الشوفي، في 14 تموز أثناء تغطيته الأحداث في قريته تعارة، غرب السويداء حيث استقر في حاجز متقدم “للفصائل المحلية والمجموعات الأهلية”. ووفق ما أفادت به الشبكة، فإن الهجوم الذي أودى بحياته نفذته مجموعات مسلحة مجهولة الهوية.
وفي 16 تموز، قُتل الإعلامي ومدير المكتب الإعلامي في محافظة درعا، حسن الزعبي (أبو لقمان) في السويداء خلال تغطيته لاتفاق بين الحكومة السورية ومشايخ عقل الطائفة الدرزية. حيث أشارت مصادر محلية للمركز السوري للحريات الصحفية بالرابطة إلى أن قنّاص تابع لإحدى الفصائل المحلية في السويداء، مشيرةً إلى أنه كان برفقة وفد من الحكومة السورية، في مضافة شيخ العقل يوسف الجربوع لتسجيل فيديو إعلامي معه حول الاتفاق بين الحكومة ومشايخ العقل في السويداء، وعند خروجهم من المضافة تعرّضت سيارتهم لإطلاق نار من قنّاص، ما أدى إلى مقتله.

إصابات مباشرة: رصاص وغارات وقنص
هذا وتعرّض عدد من الصحفيين لإصابات مباشرة خلال تغطيتهم للأحداث الميدانية، من بينهم الصحفي نديم النابلسي (مراسل “أحرار حوران”)، الذي أصيب بشظايا إثر غارة نفذتها طائرة مسيّرة إسرائيلية في 15 تموز على مدخل مدينة السويداء.



كما أصيب الصحفي مهند أبو زيد بنفس التاريخ، برصاصة قنّاص في يده أثناء تواجده بالقرب من عناصر تتبع لقوات الأمن العام في الحكومة السورية وتغطيته لاشتباكات في السويداء ذاتها.
كما نجا العديد من الصحفيين من استهداف مباشر من قوات الاحتلال الإسرائيلي، بتاريخ التاسع عشر من أيار/ مايو أثناء قيامهم بتغطية ميدانية، في قرية كودنة بريف القنيطرة، من بينهم الصحفي أنور عصفور (مصور في قناة العربية) والناشطين الإعلاميين طلال صياح وأحمد الخريوش.

وفي التاسع عشر من تموز/يوليو، نجا أربعة صحفيين لإطلاق نار مباشر في مدينة السويداء، أثناء تغطيتهم للأحداث الجارية هناك. وكان من بين المستهدفين المصور المستقل علي حاج سليمان والمصور بكر القاسم (متعاون مع وكالة “فرانس برس”)، ومراسل “نون بوست” حمزة عباس، ومصور المنصة قصي عبد الباري.


وفي حادثة منفصلة وقعت في بلدة الولغة الواقعة على بعد كيلومترات قليلة من مدخل مدينة السويداء، نجا الصحفيان لؤي يونس وأمير عبد الباقي من استهداف مباشر بالرشاشات الثقيلة، نُسب إلى مجموعات مسلحة تتبع لفصائل محلية في السويداء، بحسب ما أفاد به الإعلامي لؤي يونس عبر صفحته الشخصية في “فيس بوك”.

كما أعلن معتز الحشيش، مدير الإعلام الرقمي في درعا، عن نجاته من حادثة إطلاق نار تعرّض لها بالتزامن مع خروج حافلات من محافظة السويداء، حيث كان على متن إحدى الحافلات المستهدفة.
اعتقالات تعسفية واحتجازات مؤقتة
سجّل المركز السوري للحريات الصحفية في الرابطة عدة حالات اعتقال طالت صحفيين في مختلف المناطق السورية، حيث وثق المركز اعتقال الإعلاميَين نادر دبو وعبد الله الحسن “نور جولان” في 14 حزيران من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي في ريف القنيطرة، قبل الإفراج عنهما لاحقًا.


كما جرى توقيف الحسن مجددًا في 1 تموز من قبل جهاز الأمن العام على خلفية مرافقته لصحفية أجنبية.
وفي الثامن والعشرين من حزيران جرى اعتقال الصحفي حسن ظاظا في 28 حزيران من منزله بدمشق، واحتجازه لمدة سبعة أيام.

في حين سجل توقيف الإعلاميَين أكرم صالح ووجودي حاج علي في 30 حزيران في أشرفية صحنايا، أثناء تغطية لصالح قناة عراقية، قبل أن يتم الإفراج عنهما.
ووثق فريق المركز احتجاز الإعلامي عثمان درويش (أبو أحمد) من قبل مليشيا قسد “قوات سوريا الديمقراطية” في حي الشيخ مقصود لمدة شهرين تقريبًا، ضمن ظروف غامضة.

في حين تم اعتقال الإعلامية هبة كوسا في تموز بالرقة، واحتجازها في ظروف مهينة وتعذيب جسدي ونفسي، قبل الإفراج عنها في 31 تموز، في حين لا تزال زميلتها آية حميدي قيد الاحتجاز دون تهمة معلنة أو معلومات عن مصيرها، بعد أن تم اعتقالها مع جميع أفراد أسرتها وضيف كان في المنزل، ثم أُفرج عن الجميع باستثنائها.


اعتداءات وتهديدات مباشرة
شهدت مدينة السويداء في 4 أيار حادثة اعتداء مسلح على مجموعة صحفيين ثناء تغطيتهم اتفاقًا بين الفصائل المحلية والحكومة وهم الصحفي المستقل أحمد فلاحة والمصور معاومة الأطرش ومحمد هارون مراسل قناة “العربية والحدث”، وعمار اصطيفي مصور تلفزيون “العربي”، وإبراهيم تريسي مراسل تلفزيون “العربي”، وعلي نجار مصور قناة “الحدث والعربية”، والصحفي المستقل عامر عاصي تم خلالها الاعتداء اللفظي عليهم في حين استهدف أحمد فلاحة ومحمد هارون بالضرب المباشر فضلاً عن تهديد المجموعة بالقتل وسرقة معداتهم، قبل أن يتم تأمينهم بخروجهم من المكان بعد تدخل وجهاء محليين. وفي اليوم التالي، التقى وزير الإعلام السوري، حمزة المصطفى، عدداً من الصحفيين الذين تعرضوا للاعتداء، وأكد في اجتماع عقد في مقر الوزارة “حرص الوزارة على حماية الصحفيين ومتابعة قضاياهم بالتنسيق مع الجهات المعنية، لضمان بيئة إعلامية آمنة في كل المناطق”، بحسب بيان رسمي صدر عن الوزارة.
وفي 10 تموز، تعرّض الإعلامي رياض الحسين للاعتداء بالضرب من قبل عناصر أمنية في محكمة مدينة الميادين بدير الزور، ما أدى لإصابته بكدمات، قبل أن يتم اتخاذ إجراءات تأديبية بحق المعتدين وإحالتهم القضاء لمتابعة مجريات القضية ومحاسبة المتورطين. وقد أشرف محافظ دير الزور، غسان السيد أحمد، على مجريات التحقيق، مؤكدًا على ضرورة محاسبة الجناة وضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات.

استهداف مؤسسات إعلامية
تعرّض مكتب قناة الحدث في العاصمة دمشق لأضرار مادية في 16 تموز، جراء غارة جوية إسرائيلية استهدفت مبنى هيئة الأركان، ما أدى إلى تحطم زجاج المكتب.
الصحفيون بين نيران التوترات وصعوبات الحماية
بدوره قال إبراهيم حسين رئيس مرز الحريات الصحفية في رابطة الصحفيين السوريين إن “ما شهدناه خلال أشهر أيار وحزيران وتموز لا يمكن وصفه سوى بأنه تصعيد خطير في استهداف الصحفيين في سوريا. حيث تحوّل الصحفي من ناقل للمعلومة إلى هدف مباشر، في ظل تجاهل مقلق من قبل مختلف الأطراف لحقوقه وسلامته.
وأضاف أن تعدد الجهات المنتهِكة، من الاحتلال الإسرائيلي إلى الأجهزة الأمنية والفصائل المسلحة وسلطات الأمر الواقع، يعكس هشاشة البيئة الإعلامية وغياب الحد الأدنى من الحماية.
وتؤكد الرابطة بحسب حسين أن الصحفيين ليسوا طرفًا في النزاعات، بل شهود على الحقيقة، واستهدافهم جريمة مزدوجة بحقهم وبحق المجتمع. وتطالب الرابطة بتحقيقات جادة وشفافة في كل الانتهاكات، ومحاسبة كل من يثبت تورطه، كما تدعو إلى إنهاء ترهيب الصحفيين وتوفير الحماية للصحفيين خلال تأدية عملهم، والالتزام الصارم بالمعايير الدولية لحرية الصحافة وكرامة العاملين فيها.”