أقامت رابطة الصحفيين السوريين، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين، احتفالية بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، ذلك في قاعة المركز العربي للتدريب الإذاعي والتلفزيوني بدمشق، حيث شهدت حضورًا واسعًا لصحفيين وباحثين وممثلين عن منظمات المجتمع المدني. تضمنت الفعالية محطتين رئيسيتين عكستا رؤية تحليلية واستشرافية لمستقبل الإعلام في سوريا، بعد سقوط النظام الاستبدادي.
تقرير الحريات الإعلامية: تحولات بعد عقود القمع
وأطلقت الرابطة خلال الفعالية تقريرًا بعنوان “الإعلام السوري بين التحديات والأُمنيات – نظرة على التحولات بعد سقوط النظام”، سلط الضوء على الانفراجات والتحديات التي تواجه الإعلام السوري.
وقالت مزن مرشد، رئيسة رابطة الصحفيين السوريين: “نثمّن ما نشهده من تحوّل في الخطاب الرسمي تجاه الإعلام، ونؤمن بأن هناك فرصة تاريخية اليوم لبناء شراكة حقيقية بين الصحفيين وصناع القرار، من أجل إعلام حر ومسؤول يخدم الصالح العام”.
وأضافت: “نعمل من منطلق وطني ومهني، وندعو إلى حوار دائم مع الحكومة لإعادة بناء الثقة، وتحديث القوانين، وضمان حرية الصحافة كجزء من مشروع وطني لإرساء الديمقراطية”.

بدوره، أشار إبراهيم حسين، مدير مركز الحريات الصحفية، إلى أن التقرير يمثل نقطة تحول في رصد المشهد الإعلامي: حيث أنه “بعد ثلاثة عشر عامًا من الرصد، انتقلنا من توثيق الانتهاكات إلى تحليل جذور القمع واقتراح حلول عملية. تقرير هذا العام يضع إصبعًا على الجرح، لكنه يمد يدًا للأمل”.
وأوضح أن التقرير، المدعوم باستبيان ميداني شمل 72 صحفيًا، كشف أن 40% من الصحفيين تعرضوا لانتهاكات بعد سقوط النظام، وأن أبرز مطالبهم اليوم تتمثل في إصلاح القوانين وتوفير حماية مهنية وقانونية”.
دراسة الصحافة الأخلاقية: فجوات خطيرة ودعوة للتكامل القانوني
أما المحطة الثانية، فتمثلت بإطلاق دراسة بحثية موسعة بعنوان “الصحافة الأخلاقية والقوانين الناظمة لها في سوريا”، قدمت قراءة دقيقة في التشريعات السورية وسلوك المؤسسات الإعلامية.

وأوضح يدن الدراجي، المدير التنفيذي للرابطة، أن الدراسة جاءت لتسد فجوة بحثية ومعرفية كبيرة:
“حيث نعمل بالشراكة مع الجهات الحكومية والفاعلة في البلاد على بناء بيئة إعلامية صحية، وهذه الدراسة جزء من مشروع أوسع لإرساء معايير مهنية تعزز الشفافية والمساءلة وتقلل من خطاب الكراهية”.
وبيّنت الدراسة، التي استندت إلى تحليل 6 قوانين إعلامية واستطلاع آراء 140 صحفيًا، أن البيئة القانونية في سوريا في عهد النظام البائد مجزأة ومتناقضة، ولا توفر حماية حقيقية للصحفيين أو التزامات واضحة تجاه القيم الأخلاقية للمهنة.

وأشار محمد الصطوف، مدير قسم الرصد بالرابطة، إلى أن الدراسة كشفت عن واحدة من أخطر القضايا التي تواجه الإعلام السوري اليوم: وهي “التضليل الممنهج هو الأرض الخصبة لخطاب الكراهية. لذلك نحتاج إلى آليات تحقق قوية، ووعي مجتمعي بأن الإعلام يجب أن يبني لا أن يهدم”.
وأكد الصطوف أن تعزيز الحق في الوصول إلى المعلومات هو حجر الأساس لأي إعلام حر، لافتًا إلى ضرورة توفير الدعم لوسائل الإعلام المستقلة، باعتبارها “الركيزة الأساسية للتنوع والديمقراطية في سوريا المستقبل”.

من جهتها أكدت لمى راجح عضو المكتب التنفيذي في رابطة الصحفيين السوريين على ضرورة تضمين قانون العمل السوري الجديد نصوصًا واضحة تُلزم المؤسسات الإعلامية باحترام حقوق النساء العاملات وتوفير بيئة عمل عادلة وآمنة وشاملة. لافتة إلى أن الرابطة تؤمن بأن تحقيق العدالة بين العاملين في الإعلام من الجنسين هو أساس بناء إعلام حر وديمقراطي وشامل.
بدوره قال محيي الدين عبد الرزاق عضو المكتب التنفيذي بالرابطة إن الرابطة تؤمن بأن إصلاح الإعلام ليس ترفًا بل ضرورة وطنية، وهو الخطوة الأولى نحو بناء مجتمع ديمقراطي عادل ومنفتح. وهذه الفعالية ليست احتفالًا فقط، بل هي بداية مرحلة جديدة نضع فيها أسسًا صلبة لإعلام سوري جدير بتضحيات من سبقونا”.

توصيات حيوية: تشريعات جديدة ومسؤولية جماعية
أجمع المشاركون على ضرورة إصلاح شامل للإطار القانوني للإعلام، والعمل على ضمان الالتزام بالمعايير الأخلاقية ومكافحة خطاب الكراهية والتضليل.
كما دعت الرابطة إلى إلغاء القوانين القمعية السابقة وعلى رأسها قانون الإعلام رقم 108 وقانون الجرائم المعلوماتية. وتضمين الإعلان الدستوري ضمانات واضحة لحرية التعبير وحرية الصحافة. ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات السابقة ضد الصحفيين. وإطلاق برامج تدريبية متخصصة في الصحافة الأخلاقية والتغطية الحساسة.