أصدرت رابطة الصحفيين السوريين بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين تقريرًا بعنوان “الإعلام السوري بين التحديات والأُمنيات – نظرة على التحولات بعد سقوط النظام”، وذلك بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، المصادف الثالث من أيار، تستعرض فيه بواقعية متفائلة التحولات الإيجابية التي يشهدها قطاع الإعلام في سوريا بعد عقود من القيود والقمع في ظل النظام البائد.


ويأتي هذا التقرير في لحظة تاريخية مفصلية، حيث يستشرف الإعلاميون السوريون مستقبلًا أكثر حرية واستقلالية، مستندين إلى بوادر إيجابية وإجراءات حكومية أولية تبعث على الأمل، رغم إدراكهم للتحديات الموروثة التي لا تزال قائمة.


في هذا الإطار تؤكد مزن مرشد رئيس رابطة الصحفيين السوريين أن اليوم العالمي لحرية الصحافة يمثل للصحفيين السوريين وقفة تأمل واستشراف في ظل مرحلة التغيير التي بدأت ملامحها حيث يعكس التقرير تفاؤلنا بالمرحلة القادمة. إذ لمس الصحفيون إشارات إيجابية، لافتة إلى أن رابطة الصحفيين السوريين على أهبة الاستعداد للتعاون مع الحكومة وجميع الأطراف المحلية والدولية لترجمة هذه الإشارات إلى واقع ملموس، يضمن حرية عمل الصحفيين وحق المواطن في الحصول على المعلومة الدقيقة والموثوقة. تضحيات زملائنا لن تذهب سدى، وسنعمل بلا كلل لتحقيق إعلام سوري حر ومستقل.”


ويسترجع التقرير سنوات الظلام التي خيَّمت على الإعلام السوري، حيث صنفت البلاد ضمن الأسوأ عالميًا في مجال حرية الصحافة. ويستعرض القوانين والتشريعات التي كبَّلت الإعلاميين وعرَّضتهم للملاحقة والقمع. لكن مع سقوط النظام، يرى التقرير أن هذه القيود بدأت تتلاشى، لتحل محلها إرادة قوية نحو بناء مستقبل إعلامي حر ومستقل.


ويشير التقرير إلى القوانين التي كبّلت الإعلام، بدءًا من قانون الإعلام سيئ السمعة رقم 108 لعام 2011، الذي احتوى على بنودٍ سوغت للسلطة التنفيذية التدخل في المحتوى الإعلامي بحجة “المصلحة العامة”. مرورًا بقانون الجرائم المعلوماتية لعام 2022، الذي وسّع من دائرة الرقابة على الإعلام الرقمي وشبكات التواصل الاجتماعي، وصولًا إلى القانون رقم 19 لعام 2024 الذي عزز صلاحيات وزارة الإعلام في السيطرة على القطاع.


ولم يغفل التقرير الإشارة إلى المواد الموجودة في قانون العقوبات السوري، والتي كانت تُستخدم كأدوات قمعية تحت مسميات فضفاضة مثل “إضعاف هيبة الدولة” و”النيل من الوحدة الوطنية”، مما جعل الصحفيين عرضة للملاحقة لمجرد قيامهم بعملهم في كشف الحقائق ومساءلة المسؤولين.


ويسلط التقرير الضوء على التحولات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة الانتقالية نحو الانفتاح الإعلامي، مثل دعوة الإعلاميين المنشقين للعودة، ومنح تراخيص عمل جديدة، والاستماع إلى مطالب الصحفيين.


كما يتطرق التقرير إلى تطور لافت يتمثل في محاسبة مسؤولين عن اعتداءات طالت إعلاميين من قبل جهات تابعة للحكومة الجديدة، وهو ما لم يكن معهوداً في مناطق سيطرة النظام السابق أو قوى الأمر الواقع الأخرى خلال سنوات الثورة السورية، ويسرد التقرير حوادث اعتداء تم التعامل معها بمحاسبة المتورطين وتقديم اعتذارات للصحفيين.


ويشدد التقرير على الدور المحوري للإعلان الدستوري الذي يشكل تضمين مواد صريحة تكفل حرية التعبير والإعلام فيه خطوة مهمة على الصعيد النظري. فالمادة 13 التي تضمن حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة تمثل إطاراً قانونياً واعداً، إلا أن التحدي الأكبر بحسب التقرير يكمن في ترجمة هذه الضمانات الدستورية إلى قوانين وتشريعات عملية تضمن هذه الحريات على أرض الواقع وتمنع أي محاولة للالتفاف عليها أو تقييده، معتبراً ذلك خطوة أساسية نحو ترسيخ هذه الحرية على أسس قانونية متينة.


يستند التقرير في تقييمه للوضع الراهن إلى استبيان ميداني شامل أجرته رابطة الصحفيين السوريين بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين، شارك فيه 72 صحفياً وصحفية من مختلف أنحاء سوريا، يمثلون مختلف الفئات العمرية وأنواع العمل الإعلامي. وقد كشف الاستبيان عن رؤى مهمة حول واقع الإعلام في سوريا بعد سقوط النظام.


إذ أشار 40.3% من المشاركين إلى تعرضهم لانتهاكات، أبرزها المنع من التغطية والرقابة والتهديدات. كما واجه الصحفيون تحديات متنوعة، أبرزها التحديات الأمنية والقانونية والاقتصادية والمهنية.


وعلى صعيد الآمال والتطلعات، طالب الصحفيون بتوفير حماية قانونية، وإصدار بطاقات صحفية معتمدة، وتوعية الأجهزة الأمنية بحقوق الصحفيين، وتوفير بيئة عمل قانونية وواضحة، وتعزيز التدريب المهني، ودعم إنشاء نقابات إعلامية مستقلة تدافع عن حقوق الصحفيين وتساهم في تحسين الظروف الإعلامية، بالإضافة إلى تفعيل دور النقابات القائمة لتكون المدافع عن حقوق الصحفيين.
وعند تقييم دور الصحافة في مرحلة ما بعد إسقاط النظام، عبر الصحفيون عن قلقهم بشأن ضعف دور الإعلام في التأثير على القضايا الاجتماعية والسياسية، ومكافحة الفساد، ودعم الديمقراطية، والتوعية المجتمعية، وتعزيز حرية الرأي والتعبير، والدفاع عن حقوق الإنسان، ومكافحة التمييز.


يثني التقرير على عودة المؤسسات الإعلامية المستقلة للعمل داخل سوريا، ودورها المتوقع في إثراء المشهد الإعلامي وتقديم وجهات نظر متنوعة. وفي نفس الإطار يثير التقرير تساؤلات حول مصير وسائل الإعلام التي كانت مقربة من النظام السابق بحجة ملكيتهما لشخصيات مرتبطة بالنظام السابق. ويشير التقرير إلى محاولات رابطة الصحفيين للتواصل مع وزارة الإعلام للحصول على توضيحات حول هذه الإجراءات، إلا أنها لم تتلق أي رد حتى لحظة إعداد التقرير، مما يثير مخاوف بشأن الشفافية والأسس القانونية التي تستند إليها هذه القرارات.


وفي هذا الصدد يقول إبراهيم حسين مدير مركز الحريات في الرابطة إن الصحفيين السوريين في اليوم العالمي لحرية الصحافة يستنشقون عبير الحرية مع سقوط النظام ويحاولون صناعة مستقبل مشرق بعد عقود من التقييد، وعليه حاول فريق عمل التقرير أن يقدم صورة واقعية وشاملة للوضع الإعلامي في سوريا بعد سقوط النظام السابق. فبينما تلوح في الأفق بعض الفرص والتطورات الإيجابية، لا يزال الإعلاميون السوريون يواجهون تحديات قانونية واقتصادية كبيرة. مؤكدا أن تحقيق حلم صحافة حرة ومستقلة في سوريا يتطلب جهوداً متواصلة لإصلاح القوانين، وضمان حماية الصحفيين، وتوفير بيئة اقتصادية داعمة، وتعزيز ثقافة احترام حرية التعبير وحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات. الطريق لا يزال طويلاً، لكن الخطوات الأولى نحو التغيير قد بدأت بالفعل.

  1. التأكيد على التزام الحكومة الجديدة بمحاكمة المسؤولين عن الجرائم ضد الصحفيين، من خلال تشكيل لجان تحقيق مستقلة، وتعقب المتورطين قضائيًا على الصعيدين الوطني والدولي. ويجب إلغاء القوانين والتشريعات التي شرعنت القمع الإعلامي، بما يضمن عدم تكرار هذه الانتهاكات في المستقبل.
  2. مراجعة شاملة للقوانين المتعلقة بحرية الصحافة والتعبير والحق في الحصول على المعلومات، بما يضمن تعزيز استقلالية الإعلام وحماية الصحفيين، مع مواءمة التشريعات مع المعايير الدولية. من الضروري تعديل القوانين لضمان بيئة قانونية تُتيح للصحفيين ممارسة عملهم بحرية ودون خوف من الملاحقة أو القمع.
  3. العمل على الإفراج الفوري عن جميع الصحفيين المعتقلين، والكشف عن مصير الصحفيين المختفين قسريًا، مع توفير تعويضات عادلة لهم ولعائلاتهم، تضمن تحقيق العدالة وتعويض الأضرار التي لحقت بهم.
  4. دعم الجهود المبذولة في توثيق الانتهاكات المرتكبة ضد الصحفيين، وضمان أن تكون هذه الملفات جزءًا من عملية العدالة الانتقالية. كما يجب فرض عقوبات رادعة ضد الأفراد والكيانات المسؤولة عن هذه الانتهاكات، لضمان عدم الإفلات من العقاب.
  5. إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية والأجسام النقابية الصحفية التي كانت تحت سيطرة النظام السابق، وتحويلها إلى مؤسسات مستقلة تعمل لخدمة المصلحة العامة. من الضروري وضع آليات رقابة فعّالة لمنع استخدام الإعلام كأداة للقمع أو التضليل، وضمان استقلاليته في أداء رسالته، والسماح للإعلاميين بحرية تشكيل النقابات مع ضمان استقلاليتها والمساواة في الدعم والتمكين.
  6. العمل على تعزيز الاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى حماية الصحفيين في مناطق النزاع، وزيادة التعاون مع المنظمات الدولية لضمان توفير حماية فعّالة للصحفيين وتجنب تكرار الجرائم ضدهم في المستقبل.
  7. إطلاق برامج تدريبية متخصصة حول آليات التوثيق وحقوق الصحفيين، بالإضافة إلى نشر التوعية القانونية للصحفيين والمدافعين عن حرية التعبير. من الضروري تعزيز ثقافة المساءلة من خلال الإعلام المستقل والمراقب، وذلك لضمان بناء بيئة صحفية أكثر نزاهة وشفافية.
تقرير-الحريات-الإعلامية-أيار-2025-1