نظمت رابطة الصحفيين السوريين ندوة حول “دور الإعلام في دعم العدالة الانتقالية” في مركز التدريب الإعلامي لإذاعات الدول العربية بدمشق. حاضر بالندوة الحقوقي والمختص بالقانون الدولي والإنساني، المعتصم بالله الكيلاني، وأدار الحوار الصحفية لمى راجح.
هذا وتأتي هذه الندوة ضمن استراتيجية الرابطة وعملها بتفعيل دور الإعلام في ترسيخ مبادئ المساءلة والحقيقة.


الإعلام: بوصلة الحقيقة ومنصة المساءلة
وقدم الحقوقي المعتصم بالله الكيلاني، خلال الندوة تحليلاً وتصورا لمهام الإعلام في مسار العدالة الانتقالية، مستعرضاً أبرز التحديات لاسيما عبر التغطيات الجارية لملف العملية الانتقالية ومدى ارتقائها لمطالب أهالي الضحايا محذرا من تجاهل هذه المطالب أو تسييسها ومشددا في الوقت نفسه على ضرورة أن يكون الإعلام مرآة حقيقية لتطلعات المتضررين.


بناء الوعي الوطني وتفنيد التضليل
وأكد الكيلاني على أن الإعلام يتحمل مسؤولية محورية في خلق الوعي والتثقيف لدى السوريين حول آليات ومراحل العملية الانتقالية في سوريا. ودعا إلى نشر الحقائق والمعلومات بدقة متناهية، والتصدي للمعلومات المضللة التي تهدد السلم الأهلي وتقوض أي مسعى للانتقال الديمقراطي.


كما دعا الكيلاني إلى أن يكون الإعلام “صوتاً لا يُخنق” للناجين والضحايا، مطالباً بضرورة تخصيص مساحات واسعة لسرد قصصهم وآلامهم وتوثيق شهاداتهم كأساس راسخ لبناء الذاكرة الوطنية ومنع طمس الحقائق.


تحصين السردية الوطنية ورفض التطبيع مع الجناة
وحذر الكيلاني من خطورة التعويم الإعلامي لشخصيات شاركت أو دعمت جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أو أي انتهاكات أخرى ما قبل سقوط نظام الأسد، وشدد على ضرورة عدم استضافة شخصياتٍ عُرفت بولائها للنظام وإنكارها أو تبريرها للانتهاكات. وهذا السلوك الإعلامي من وجهة نظر الكيلاني يهدد بنشر أنصاف الحقائق ويتجاهل وقائع حاسمة، مما يؤدي إلى خطاب كراهية وانقسام مجتمعي.


المحاكمات والمساءلة: دور الإعلام في الشفافية القانونية
وأشار الكيلاني إلى الدور الحاسم للإعلام في تغطية سير المحاكمات المقبلة وخلق الوعي العام عن القوانين المتبعة فيها. ودعا إلى إشراك المدنيين والضحايا في التحليل الإعلامي لسير المحاكمات والاعترافات، وعرض شهادات الضحايا لتعزيز الشفافية والمساءلة القانونية.


إعلاميون في الميدان: واقع التحديات ومطالب الدعم


وأثرت النقاشات خلال الندوة بمداخلات إعلاميين سوريين عايشوا الواقع وتحديات المهنة، حيث أكدت من جانبها، الصحفية لمى راجح، مديرة الندوة وعضوة المكتب التنفيذي في رابطة الصحفيين السوريين، أن الإعلام السوري “تجاوز سنوات من القمع الممنهج”، وهو الآن في مرحلة تتطلب “مسؤولية واحترافية مضاعفة”. ودعت إلى استقلالية العمل النقابي للصحفيين. كما سلطت راجح الضوء على التحديات الخاصة بالصحفيات والإعلاميات، مؤكدةً على ضرورة توفير بيئات عمل آمنة لهن، لضمان مشاركة كاملة وفعالة للمرأة في المشهد الإعلامي الذي يمثل ركيزة أساسية لأي تحول. وأضافت أن الصحفيات السوريات يواجهن تحديات إضافية تتعلق بـ”غياب الأمان الوظيفي” و”تعدد المهام الوظيفية” و”التمييز في إجراءات التوظيف”، مما يعيق دورهن في تغطية المرحلة الانتقالية. وأشارت راجح إلى أن رابطة الصحفيين السوريين تعمل على مشاريع تعزز فيها فرص توفير بيئات عمل آمنة للصحفيات والإعلاميات وضمان مشاركة كاملة وفعالة للمرأة في المشهد الإعلامي الذي يمثل ركيزة أساسية لأي تحول ديمقراطي.


الصحفي مصعب السعود، عضو هيئة الرقابة والشفافية في رابطة الصحفيين السوريين، أشار إلى أن الإعلاميين السوريين يواجهون “حرباً شرسة ضد التضليل الإعلامي”. وشدد على أن دور الإعلام في تغطية مراحل العملية الانتقالية لا يمكن أن يكون فعالاً دون تعزيز المعايير المهنية والالتزام بالموضوعية والشفافية. وتساءل: “هل هناك تغطية كافية يقدمها الإعلام حول مراحل العملية الانتقالية؟” مؤكداً أن الإعلام الوطني والإعلام المستقل هما الركيزتان الأساسيتان في بناء السلم الأهلي ومواجهة “الترند” اليومي الذي قد يهدد استقرار المجتمع.


وفي سياق متصل، سلط الصحفي ومدير قسم الرصد في المركز السوري للحريات في رابطة الصحفيين السوريين، محمد الصطوف، الضوء على التحديات التي تواجه الصحفيين في تغطية قضايا العدالة الانتقالية في سوريا. وشدد الصطوف على أن “احترام حرية الصحافة وضمان سلامة العاملين في الحقل الإعلامي ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات” هي أسس لنجاح العدالة الانتقالية ودعم الإعلاميين في تغطيتها. وأقر الصطوف بأن “مدى امتلاك الصحفيين السوريين للأدوات والمعرفة الكافية لتغطية مواضيع العدالة الانتقالية” لا يزال تحدياً، مؤكداً على الحاجة الماسة إلى الارتقاء ببرامج الدعم والتدريب الذي يحتاجه الصحفيون لتعزيز تغطيتهم لهذه القضايا، لضمان قدرتهم على حمل هذه الأمانة بكفاءة، لافتاً إلى أن رابطة الصحفيين السوريين تعمل على هذا الإطار ضمن استراتيجيتها ومشاريعها الحالية والمستقبلية.


هذا واختتمت الندوة بتأكيد المشاركين على أن الإعلام السوري، رغم كل التحديات، هو الدرع الواقي للعدالة، والصوت الذي يجب أن يصدح بالحقيقة في وجه كل محاولات الطمس والتضليل. لافتين إلى أن مستقبل سوريا يرتكز على إعلام حر، مسؤول، ومجهز بأدوات الحقيقة والشفافية.