تتابع رابطة الصحفيين السوريين باهتمام بالغ تطورات المشهد السوري المرتبط بالعدالة الانتقالية، خصوصاً في ضوء ما أثير خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته لجنة الحفاظ على السلم الأهلي في الساحل السوري. وإذ نثمن أي جهد يهدف إلى إرساء السلام والعدالة، فإننا نؤكد على النقاط التالية:

  1. غياب المرجعية القانونية يهدد مسار العدالة:

 إن استمرار عمل لجان مثل “لجنة الحفاظ على السلم الأهلي” دون وجود إطار قانوني واضح أو مرجعية تشريعية معتمدة، يشكل خطراً على مسار العدالة الانتقالية ويهدد بمزيد من التضارب والصلاحيات الموازية. تؤكد الرابطة أن اللجنة ليست مخوّلة قانوناً بإطلاق سراح متهمين أو إصدار توصيات بشأن قضايا محاسبة أو عفو، لاسيما وأن المرسوم الصادر بتاريخ 9 آذار 2025 لم يمنحها هذه الصلاحيات، بل نص على اختصاصات تنفيذية محدودة ضمن حالة محلية خاصة.

2. لجنة السلم الأهلي ليست مرجعية قضائية أو وطنية شاملة: 

نشأت لجنة الحفاظ على السلم الأهلي لمعالجة ظرف محلي خاص، ولا تملك أي شرعية أو صلاحية للبت في ملفات العفو أو المصالحة أو تحديد المتورطين بجرائم حرب. وأي توسيع لصلاحياتها خارج دورها المؤقت، يُعد انحرافاً عن نهج العدالة الانتقالية، ويكرس حالة من التضارب المؤسسي الذي بدأ يظهر بوضوح في المشهد السوري.

3. هيئة العدالة الانتقالية..المرجعية الأساسية: 

تؤكد الرابطة على ضرورة تمكين هيئة العدالة الانتقالية الوطنية وتثبيت استقلالها الكامل، بوصفها الجهة الأساسية المخوّلة بتنفيذ آليات العدالة الانتقالية وخاصة تقصي الحقائق وتوثيق الانتهاكات تمهيداً لمحاسبة الجناة وملاحقتهم قضائياً، وجبر الضرر للضحايا والإصلاح المؤسسي، وضمان عدم تكرار الانتهاكات عبر إصلاح القوانين، والمساهمة في المصالحة الوطنية، وصولاً إلى تحقيق السلم الأهلي المستدام. ولا يجوز لأي لجنة – بما فيها لجنة الحفاظ على السلم الأهلي – أن تتعدى على هذه الصلاحيات، أو أن تنصّب نفسها طرفاً بديلاً في قضايا المحاسبة أو العفو.

4. ضرورة إصدار تشريع ينظم العلاقة بين اللجان الثلاث:

تطالب رابطة الصحفيين السوريين الجهات التشريعية المعنية بضرورة إصدار تشريع واضح ينظم العلاقة والصلاحيات بين اللجان الثلاث: لجنة السلم الأهلي، وهيئة العدالة الانتقالية، وهيئة المفقودين. وجود هذا الإطار القانوني سيسهم في الحد من التداخل المؤسسي، ويوفر بيئة أكثر شفافية وكفاءة وعدالة لملفات شديدة الحساسية، مثل الإفراج، والعفو، والمساءلة، وحقوق ذوي الضحايا.

5. مخاطر تعدد الهيئات وتشتت الصلاحيات: 

تُحذر الرابطة من تفاقم التداخل بين ثلاث هيئات قائمة فعلياً: لجنة السلم الأهلي، هيئة العدالة الانتقالية، وهيئة ملف المفقودين، ما يؤدي إلى تعقيد المشهد وخلق تناقضات تعرقل تحقيق العدالة. وتدعو إلى إطار حوكمة موحد ومنظم يشمل توضيح الأدوار والصلاحيات، وتوزيع الموارد، واعتماد مسار قانوني ممنهج ينطلق من مشاورات وطنية واسعة، يليه وضع قانون خاص بالعدالة الانتقالية، ثم تشكيل الهيئة الوطنية وفقه.

6. لا عدالة دون محاسبة:

إن العدالة الانتقالية تبدأ بمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ومن ضمنهم  بالتأكيد من ارتكبوا انتهاكات جسيمة بحق الصحفيين والناشطين والمدنيين. لقد كان الصحفيون هدفاً مباشراً للقتل والاعتقال والإخفاء القسري من قِبل أطراف متعددة، بهدف طمس الحقيقة وإخفاء الانتهاكات. وإننا نؤكد على أن مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين يجب أن يُحاسبوا أمام القضاء الوطني والدولي، ولا يمكن الحديث عن عدالة انتقالية دون إنصاف الضحايا من أبناء هذه المهنة الذين دفعوا حياتهم ثمناً للحقيقة.

7. لا عفو دون موافقة الضحايا: 

تؤمن الرابطة بأن الضحايا وذويهم وحدهم يملكون حق اتخاذ القرار بشأن العفو عن مرتكبي الجرائم. أي تجاوز لهذا الحق هو إنكار للعدالة، وإعادة إنتاج للظلم الذي خرج السوريون ضده.

8. حرية التعبير ركيزة للعدالة الانتقالية: 

لا يمكن أن تُبنى عدالة حقيقية في سوريا من دون إعلام حر، ومساحات مفتوحة للرأي والنقد وكشف الحقيقة. لقد كان الصحفيون أول المستهدفين في محاولة لإخفاء الجرائم، ولهذا فإن حماية حرية الصحافة والتعبير هي مكون أساسي في أي مسار عدالة انتقالية.

9. النقابات المستقلة شريك أساسي في بناء العدالة: 

تؤكد الرابطة على أهمية تمكين النقابات المهنية، وفي مقدمتها نقابات الصحفيين، واستقلالها الكامل كجزء من مؤسسات المجتمع التي تضمن استمرارية العدالة، وتكون حاملة لقيم المحاسبة والشفافية وعدم الإفلات من العقاب.

10- سوريا المستقبل تُبنى على دولة القانون: 

الحلم المشترك الذي خرج السوريون من أجله هو دولة القانون، وهو ما نتمناه ونناضل من أجله. ولن تكون هناك عدالة دون مؤسسات قضائية مستقلة، ومساءلة شاملة، وبيئة تضمن حرية الكلمة، والاعتراف بحقوق الضحايا، وخاصة ممن دفعوا الثمن مضاعفًا، مثل الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي.

في الختام، تدعو رابطة الصحفيين السوريين الحكومة السورية وجميع الوزارات والهيئات والمنظمات والأطراف المعنية، داخل سوريا وخارجها، إلى احترام معايير العدالة الانتقالية المتعارف عليها دولياً، والامتناع عن منح غطاء سياسي أو اجتماعي لمن تلطخت أيديهم بالدماء، أو السعي إلى طيّ صفحات لم تُفتح بعد، باسم “السلم الأهلي”.

فالعدالة أولاً، والعدالة دائماً

رابطة الصحفيين السوريين

دمشق – 10 حزيران 2025