بعد مرور أكثر من عقد على اختفاء العشرات من الصحفيين في سوريا، ما يزال جرحهم مفتوحًا، رغم سقوط نظام الأسد وانهيار أجهزته القمعية. وفي تقرير موسع أصدرته رابطة الصحفيين السوريين بعنوان “ليسوا مجرد أسماء”، وثّقت الرابطة استمرار تغييب خمسة وعشرين صحفيًا وصحفية، سوريين وأجانب، على يد النظام السابق أو تنظيم “داعش” أو جماعات مسلحة أخرى.
ويشير التقرير الذي أعده المركز السوري للحريات الصحفية في الرابطة إلى أن بعض هؤلاء الصحفيين فُقد أثرهم منذ أكثر من ثلاثة عشر عامًا، مثل الصحفي بشار فهمي القدومي والمصور البريطاني جون كانتلي والصحفي الأميركي أوستن تايس، فيما ما يزال الغموض يكتنف مصير آخرين، تاركًا عائلاتهم معلقة بين الأمل واليأس، في انتظار حقيقة لم تأت بعد.
دعوة إلى كشف الحقيقة كاملة
وقال إبراهيم حسين، مدير المركز السوري للحريات الصحفية، إن قضية المغيبين لا يمكن أن تُختصر بالأرقام: “هؤلاء الصحفيون ليسوا مجرد أسماء في قوائم، بل هم جزء من ذاكرة الثورة السورية. لا يمكن أن يكون هناك مستقبل حر لسوريا دون كشف الحقيقة كاملة وتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الإخفاء القسري.”
من جانبه، شدد محمد الصطوف، مدير وحدة الرصد بالمركز، على أن العدالة لا تعني الاكتفاء بإعلان مقتل الصحفيين أو استمرار تغييبهم، بل تتطلب معرفة كل التفاصيل: “القضية لا تتعلق فقط بمعرفة إن كان المغيبون قد قتلوا أم لا، بل يجب الكشف عن أين قُتلوا؟ كيف تمت تصفيتهم؟ وأين دفنوا؟ ومن هي الجهة المسؤولة عن ذلك. هذه هي العدالة الحقيقية التي يستحقها الضحايا وعائلاتهم.”
ويشدد التقرير على أن غياب الحقيقة والعدالة يبقي الصحافة السورية جريحة، وأن محاسبة المتورطين في تغييب الصحفيين وكشف مصيرهم ليست مجرد مطلب إنساني لعائلاتهم، بل هي شرط أساسي لبناء سوريا حرّة وديمقراطية تقوم على احترام الكلمة الحرة والحق في المعرفة.
رابطة الصحفيين السوريين: واجب تاريخي وأخلاقي
بدوره، أكد يدن الدراجي، المدير التنفيذي لرابطة الصحفيين السوريين، أن سقوط النظام لا يعني طيّ صفحة الماضي لافتا بالقول إن “إسقاط النظام القمعي لا يعني طيّ الصفحة، بل يضعنا أمام واجب تاريخي وأخلاقي لفتح تحقيق شامل وشفاف، وضمان إدراج قضية الصحفيين المغيبين في مسار العدالة الانتقالية، وجبر ضرر عائلاتهم ورد الاعتبار لهم كشهداء الكلمة الحرة.”
أما مزن مرشد، رئيسة رابطة الصحفيين السوريين، فقد ربطت القضية بمسار التحول السياسي في سوريا قائلة: “إن قضية الصحفيين المغيبين ليست شأنًا نقابيًا أو إنسانيًا فحسب، بل هي قضية وطنية بامتياز. وإن مصيرهم يمثل اختبارًا حقيقيًا للمرحلة الانتقالية في بناء دولة العدالة والقانون. لافتة إلى أنه لن تكون هناك مصالحة وطنية حقيقية ما لم تُكشف الحقيقة كاملة، ويحاسب المسؤولون عن الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها أزلام النظام البائد، ويُرد الاعتبار للصحفيين الذين دفعوا حياتهم ثمنًا للحرية.”
هذا ويعد ملف الصحفيين المغيبين من أعقد الملفات التي خلفتها سنوات الحرب، حيث تحولت سوريا في عهد النظام البائد إلى واحد من أخطر أماكن العمل الصحفي في العالم. وعلى مدى سنوات، وثّقت الرابطة مئات الانتهاكات، من بينها القتل والاعتقال التعسفي والتعذيب والنفي القسري، لتبقى قضية المختفين القسريين – وفي مقدمتهم الصحفيون – شاهدة على حجم المأساة السورية.
تقرير-خاص-عن-المفقودين-والمختفين-قسراً-1-2







